من اشراط الساعة الكبرى - الدخان وخروج الشمس من مغربها
مكتبة رياض الجنة
الصفحة الرئيسية
إن من أشراط الساعة الكبرى التي تقع آخر الزمان، ظهورالدّخان، وقد دلت النصوص على ذلك؛ ففي صحيح مسلم، عن حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: “مَا تَذْكُرُونَ؟”. قُلْنَا السَّاعَةَ. قَالَ: “إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ -وذكر منها- وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا“؛ فهنا بين النبي -صلى الله عليه وسلم بصريح العبارة وصحيحها- أن من أشراط الساعة الكبرى ظهور الدّخان. وهذا يكون في آخر الزمان.
أيها المؤمنون: ولا بد أن نشير على أنه قد وقع اختلاف بين العلماء هل ظهرت وانقضت علامة الدخان أو أنها ما زالت وستظهر مستقبلا؟
فمن العلماء من يرى أنها ظهرت وانقضت وهم قلة، ومنهم من يرى أنها لم تظهر بعد وهم أكثر العلماء ولكل منهم دليله. والرأي الراجح -والله أعلم- هو الجمع بين الرأيين لتوافر الأدلة في ذلك بأن يقال إن علامة الدخان تقسم إلى علامة صغرى وعلامة كبرى.
أيها المؤمنون: أما العلامة الصغرى فهي التي كانت على عهد قريش حينما دعا عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقحط، فهي ظهرت وانقضت، ودليلها، ما جاء في صحيح البخاري عنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: “كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا رَأَى مِنْ النَّاسِ إِدْبَارًا قَالَ اللَّهُمَّ سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ مِنْ الْجُوعِ، فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ لَهُمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ)، وَقَدْ مَضَتْ الدُّخَانُ”.
أيها المؤمنون: وأما علامة الدخان الكبرى فهي لم تقع بعد، وتكون آخر الزمان مع ظهور أشراط الساعة الكبرى. ودليلها ما ثبت في صحيح مسلم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: قَالَ: “إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ -وذكر منها- وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ“. نقل القرطبي في التذكرة أن ابن مسعود كان يقول: “هما دخانان قد مضى أحدهما، والذي بقي يملأ ما بين السماء والأرض ولا يجد المؤمن إلا كالزكمة ، وأما الكافر فتثقب مسامعه“، وقال النووي: “ويحتمل أنهما دخانان للجمع بين هذه الآثار“.
وهذا ما جمع به بعض أهل التفسير بين أقوال أهل العلم في المراد بالدخان في الآية الكريمة: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ)[الدخان:10-12]. وأنه ما وقع لأهل قريش، وقد يكون المراد به الدخان الذي يكون آخر الزمان مع علامات الساعة الكبرى.
ويرى الشوكاني أنه لا منافاة بين القولين فهذا دخان وذاك دخان آخر. وقال السعدي: “وقيل: إن المراد بذلك ما أصاب كفار قريش حين امتنعوا من الإيمان واستكبروا على الحق فدعا عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فصاروا يرون الذي بين السماء والأرض كهيئة الدخان وليس به، وذلك من شدة الجوع. فيكون -على هذا- قوله: (يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ) أن ذلك بالنسبة إلى أبصارهم وما يشاهدون وليس بدخان حقيقة. وقيل: إن المراد بذلك أن ذلك من أشراط الساعة وأنه يكون في آخر الزمان دخان يأخذ بأنفاس الناس ويصيب المؤمنين منهم كهيئة الدخان”.
أيها المؤمنون: ما يعنينا أنه لا يمكن بحال أن ننفي وجود علامة كبرى من علامات الساعة هي الدخان لصحة الأحاديث في ذلك، ولما ورد أيضا في صحيح مسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا أَوِ الدُّخَانَ أَوِ الدَّجَّالَ أَوِ الدَّابَّةَ...”؛ فالدخان هو علامة من علامات الساعة الكبرى التي ترافق العلامات الكبرى؛ كالدجال والدابة وغيرها.
ولم يثبت في السنة مزيد من التفاصيل عن هذه العلامة الكبرى، وبما أن أشراط الساعة من علم الغيب فنحن ملتزمون بمنهجنا باعتماد الآيات القرآنية والأحاديث الثابتة. ولذلك فقد وردت أحاديث ضعيفة حول علامة الدخان أعرضت عنها.
أيها المؤمنون: ومن أشراط الساعة الكبرى طلوع الشمس من مغربها، وهي آية كونية عظيمة الشأن خطيرة الحدث، تذهل العقول حقا؛ ففي صحيح مسلم، عن حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى غُرْفَةٍ وَنَحْنُ أَسْفَلَ مِنْهُ فَاطَّلَعَ إِلَيْنَا فَقَالَ: “مَا تَذْكُرُون“. قُلْنَا السَّاعَةَ. قَالَ: “إِنَّ السَّاعَةَ لاَ تَكُونُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ -وذكر منها- وَالدُّخَانُ وَالدَّجَّالُ وَدَابَّةُ الأَرْضِ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا“، قال ابن حجر: “إن طلوع الشمس من مغربها إنما يقع عند إشراف قيام الساعة“؛ فيكون طلوع الشمس مقترن بخروج الدابة، وفي صحيح مسلم، قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا“، قال ابن كثير: “المراد في الحديث بيان أول الآيات غير المألوفة؛ فالدجال وغيره -وإن كان قبل ذلك- هو وأمثالُه مألوف لكونه بشراً، فأما خروج الدابة على شكل غريب غير مألوف، ومخاطبتُها الناس ووسمُها إياهم بالإيمان أو الكفر فأمر خارج عن مجاري العادات، وذلك أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها المألوفة أول الأيات السماوية“.
أيها المؤمنون: لقد جاء في كتاب الله ما يدل على أن طلوع الشمس من مغربها هو من أعظم آيات الله، وأشراط الساعة الكبرى، وحلول نهاية الدنيا، قال تعالى: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)[الأنعام:158]؛ قال السعدي: “(أَوْ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) الدالة على قرب الساعة. (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) الخارقة للعادة، التي يعلم بها أن الساعة قد دنت، وأن القيامة قد اقتربت.
(لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)؛ أي: إذا وجد بعض آيات الله لم ينفع الكافر إيمانه إن آمن، ولا المؤمنَ المقصر أن يزداد خيرُه بعد ذلك، بل ينفعه ما كان معه من الإيمان قبل ذلك، وما كان له من الخير المرجوِّ قبل أن يأتي بعض الآيات.
وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن المراد ببعض آيات الله طلوع الشمس من مغربها، وأن الناس إذا رأوها آمنوا فلم ينفعهم إيمانهم ويُغلق حينئذ بابُ التوبة. وفي الكتاب والسنة من هذا شيء كثير وفيه أن من جملة أشراط الساعة طلوع الشمس من مغربها وأن الله تعالى حكيم قد جرت عادته وسنته أن الإيمان إنما ينفع إذا كان اختياريا لا اضطراريا كما تقدم، وأن الإنسان يكتسب الخير بإيمانه؛ فالطاعة والبر والتقوى إنما تنفع وتنمو إذا كان مع العبد الإيمان، فإذا خلا القلب من الإيمان لم ينفعه شيء من ذلك”.
تعليقات
إرسال تعليق