فضل ذكر الله
حمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العالم بحال العبد في سره وجهره، أحمده –سبحانه وأشكره على جزيل نعمه وفضله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقامة لذكره، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث بالبر إلى الخلق في بره وبحره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان ما جاء السحاب بقطره، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
يسمو المسلم لتزكية نفسه، ورفع شأنها عند بارئها بذكر الله تعالى، هو قوت قلوب القوم، الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبوراً، وعمارة ديارهم الذي إذا تعطلت عنه صارت بوراً، هو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق، وماؤهم الذي يطفؤون به التهاب الحريق، ودواء اسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، به يستدفؤون الآفات، وتهون عليهم به الكربات، إذا أظلهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإن نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم، هو رياض جنتهم فيها يتقلبون، رؤوس أموال سعادتهم بها يتجرون، يدع القلب الحزين ضاحكاً مسروراً، ويسقيه فرحاً وحبوراً، به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسن، والظلمة عن الأبصار، زين الله به ألسن الذاكرين، كما زين أبصار الناظرين.
قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: "تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فالباب مغلق".
وقال مالك بن دينار -رحمه الله تعالى-: "ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله -عز وجل-، فليس شيء من الأعمال أخف مؤونة منه، ولا أعظم لذة، ولا أكثر فرحة وابتهاجاً للقلب".
ليس للقلوب قرار ولا طمأنينة ولا هناءة ولا لذة، ولا سعادة إلا بذكر الله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، ذكر الله تعالى هو الفرج بعد الشدَّة، واليسر بعد العسر، والفرح بعد الغم والهم، وهو تفريج الكربات، وتيسير الأمور، وتحقق الراحة والسعادة في الدنيا والآخرة، وما عولج كرب ولا أزيلت شدَّة بمثل ذكر الله -تبارك وتعالى-، وقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- يقول في الكرب: "لا إله إلا الله العظيم، لا إله إلا الله الحليم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم", ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "دعوة ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله كربه".
ذكر الله -عباد الله- جالب للنعم المفقودة, وحافظ للنعم الموجودة؛ فما استجلبت نعمة وما حفظت نعمة بمثل ذكر الله -تبارك وتعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].
ذكر الله -جلَّ وعلا- محطُّ الأوزار، وتكفير السيِّئات، ورفعة الدرجات، وعلو المنازل عند الله -تبارك وتعالى-، فما حُطَّت الأوزار بمثل ذكره سبحانه، روى الترمذي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله -تبارك وتعالى-"، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة، حطت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر". والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وذكر الله تعالى غراس الجنة، فما غرست الجنة بمثل ذكره؛ يقول -عليه الصلاة والسلام-: "من قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة". رواه الترمذي. وروى الترمذي أيضًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لقيت إبراهيم الخليل ليلة أسري بي فقال لي: يا محمد: أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأنها طيبة التربة، عذبة الماء، وأخبرهم أن غراسها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر".
ذكر الله -عباد الله- كلمات خفيفة على اللسان، لا تكلِّف العبد جهدًا، ولا يناله منها مشقة، إلا أن لها ثوابًا عظيمًا، وأجرًا جزيلاً، وهي حبيبة إلى الله -عزَّ وجلّ-، روى البخاري في صحيحه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم".
عباد الله: وذكر الله -جلَّ وعلا- هو الطارد للشياطين، والمخلِّص من وساوسها وشرورها وكيدها وحبائلها: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت: 36]، (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) [المؤمنون: 97-98]، (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف:201]، (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف: 36].
عباد الله: إن ثمرات الذكر على أهله، وفوائده على أصحابه المحافظين عليه، لا تُعدُّ ولا تُحصى، وهذه نصيحة أقدمها لنفسي ولإخواني، أن نقرأ كتاب: الوابل الصيب من الكلم الطيب للعلامة ابن قيم الجوزية -رحمه الله-، فقد عدَّد فيه -رحمه الله- فوائد عظيمة تزيد على السبعين فائدة لذكر الله -تبارك وتعالى-، وعندما تقف على هذه الفوائد العظيمة يزداد حرصك، وتعظم رغبتك في المحافظة على ذكر الله. جعلنا الله أجمعين من الذاكرين لله حقًّا، والمحافظين على طاعته وعبادته صدقًا، وهدانا أجمعين لأقرب من هذا رشدًا؛ إنه -تبارك وتعالى- سميع، وهو أهل الرجاء, وحسبنا ونعم الوكيل.
تعليقات
إرسال تعليق