النجاة من فتن اخر الزمان
الصفحة الرئيسية
علم اخر الزمان
إن الفتن -عباد الله- إذا تلاطم موجها، وغشيت كقطع من الليل مظلم، عندها تضطرب الأفهام، وتزل الأقدام، وتختل الموازين؛ فإذا بدهماء الناس يسيرون خلف كل ناعق، ويهتفون لكل صائح، يرددون بلا وعي، ويتعجلون بلا روية، حتى قال حذيفة -رضي الله عنه-: "تكون فتنة تموج فيها عقول الرجال، حتى ما تكاد ترى رجلاً عاقلاً".
والفتن -عباد الله- منها ما هو خاص بالمرء في ذاته، ومنها ما هو عام عليه وعلى أمته، فقد يفتن المرء بنفسه فيصيبه الغرور والعجب، والكبر، والبطر، وحب الشهرة والتعالي، والاعتداد بالرأي المجحف، والتعصب للهوى، والحسد، والفخر…
وقد يفتن في أهله وماله: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إن لكل أمة فتنةً، وفتنة أمتي المال
ان الفتن تُعمي وتُصِمّ، فمن لابَسها، وأشرف لها؛ جعلته قليل العقل، فأودت به إلى المهالك، قال صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة الهرْج" قالوا: وما الهرج؟ قال: "القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتلُ بعضكم بعضا، حتى يقتلَ الرجلُ جارَه، ويقتل أخاه، ويقتل عمَّه، ويقتل ابن عمه"
قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟!
قال: "إنه لتُنـزع عقولُ أهلِ ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء" "هباء: أي قليل العقل"
فتن يكثر فيها الهرج والمرج، يكثر فيها القتل بحق وبغير حق، وفي هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لا تذهب الدنيا حتى يأتي يوم لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل"، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: "الهرج، القاتل والمقتول في النار"
ومن ذلك الافتتان بزهرة الحياة الدنيا، والمنصب والجاه والنسب، ونحو ذلك، والسحر والشيطان وقرناء السوء، وفتنة التبرج والسفور، والمجاهرة بالسوء والفحشاء، والتشبه بالأعداء فتنة، وقبض العلم وذهاب الصالحين، وارتفاع الأسافل، وإسناد الأمر إلى غير أهله فتنة، والقتل والتعذيب والسجن والإبعاد والحرمان فتنة، وعلماء السوء، ودعاة التغريب والتخريب فتنة، وتسلط أهل الكفر والإلحاد على أعراض المسلمين وحرماتهم ومقدساتهم وممتلكاتهم في بلاد شتى، وهواننا عن نجدتهم واستنقاذهم فتنة، وأي فتنة! قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "حبذا موتاً على الإسلام قبل الفتن".
فتن يكثر فيها الهرج والمرج، يكثر فيها القتل بحق وبغير حق، وفي هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لا تذهب الدنيا حتى يأتي يوم لا يدري القاتل فيم قتل، ولا المقتول فيم قتل"، فقيل: كيف يكون ذلك؟ قال: "الهرج، القاتل والمقتول في النار"
إنَّ الفتن قد كثرت هذا الزمن ولا معصوم منها إلا من عصمه الله، والفتن إما فتن شهوات أو فتن شبهات؛ فتنة المرء في نفسه وماله وأهل بيته، وفتن عامة تكون آخر الزمان صغرى ووسطى وكبرى، كل فتنة ترقِّق التي قبلها؛ ولكن ما هي أسباب النجاة من كل هذه الفتن؟
الأول: تعلم العلم النافع، فإذا كان المرء عالماً بأمر الله وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- على فهم الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان؛ فإنَّه يعرف تلك الفتن إن أطلَّت عليه برأسها، فيحذرها ويُحذِّر غيره.
ومن مقتضيات العلم النافع العملُ به وتبليغه والدعوة إليه؛ فمن علم علماً لم يعمل به فإنَّه لم ينتفع به؛ بل هو وبال عليه؛ لأنَّه سيصبح حجة عليه.
الثاني: التمسك بالكتاب والسنة قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ” (أخرجه الحاكم والبيهقي وحسنه الألباني).
قال الإمام الألباني -رحمه الله-: “لو أنَّ المسلمين تمسكوا بسنة سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، لما تفرَّقوا مذاهب شتى وطرائق قدداً“.
الثالث من أسباب النجاة من الفتن: اجتناب مواقعها، ومن أعظم مواقعها: بعض القنوات الفضائية التي تؤجج الفتن، وتُدخل الشبهات التي تعمل على إفساد العقيدة؛ فعلى المرء أن لا يشاهدها ولا يذهب إليها.
وكذلك من مواقع الفتن: كل موقع يُعصى فيه الله؛ فالواجب اجتنابه والبعد عنه.
ومن ذلك: مواقع احتفالات الأغاني والمعازف، ففي الابتعاد عنها نجاة من الفتن، فإنَّ الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع.
معاشر المسلمين: الرابع من أسباب النجاة من الفتن: كثرة العبادة والانصراف إليها، روى الإمام مسلم في صحيحه عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “العبادة في الهرج كهجرة إلي“.
قال الإمام النووي -رحمه الله-: “المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد“.
معاشر المسلمين: إنَّكم ترون كثرة الفتن هذا الزمن، وكيف انصرف الناس إليها فقلَّت عبادتهم؛ فما كان في زمن آبائنا وأجدادنا من كثرة العبادة أكثر مما نحن عليه الآن، وقد حدثني أحد كبار السن -رحمة الله عليه- أنَّه أدرك الناس تمتلئ بهم المساجد قبل صلاة الفجر بساعة؛ هذا يصلي، وآخر يقرأ القرآن، وثالث يستغفر ويدعو.. فإذا صلوا الفجر جلس كل واحد منهم يذكر الله إلى ما بعد طلوع الشمس، فإذا انتهى من ورده اليومي صلى الضحى ثم انصرف؛ فمنهم من يقرأ عشرة أجزاء ويختم في ثلاث!
نعم -يا عباد الله- هكذا كان غالب الناس في زمنهم، أمَّا في زمننا فقد ألهت الفتن والغفلة الناس إلا من رحم الله.
الخامس من أسباب النجاة من الفتن: كثرة الدعاء واللجوء إلى الله، والإقبال عليه والإنابة إليه.. يدعو بأن يسلمه الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن.. يستعيذ بالله منها، ويدعو بإلحاح قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “يأتي عليكم زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغَرِق” (أخرجه الحاكم وصححه).
السادس من أسباب النجاة من الفتن: لزوم جماعة المسلمين وإمامهم؛ فإنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أمته بذلك، في الحديث المتفق عليه قال حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير؛ فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: “نعم” قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: “نعم، وفيه دخن” قلت: وما دخنه؟ قال: “قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر” قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: “نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها” قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: “هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا” قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال “فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك“.
معاشر المسلمين: دلَّ هذا الحديث على وجوب لزوم جماعة المسلمين ولزوم إمامهم وعدم الخروج عليه، ومن مقتضيات ذلك عدم ثلب الولاة ولو جاروا ولو ظلموا؛ لأنَّ في سب الولاة وذمهم إيغار للصدور عليهم، فيبغضهم الناس، ويكفون عن الدعاء لهم، وقد يجر ذلك إلى الثورات والمظاهرات، ومنازعة ولاة الأمر في ولايتهم، وهذا في غاية الخطورة؛ فعلى من أرسل لسانه في سب الولاة أن يكف لسانه عن ذلك، وأن يدعو لهم بالصلاح والبطانة الصالحة؛ فإنَّه بصلاح الحاكم صلاح المجتمع، ونحن -ولله الحمد والمنة- في هذه البلاد في ظل قيادة تحكم بالشريعة الإسلامية، أقامت العدل فاستقام لها الأمر منذ زمن مؤسسها الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- وإلى عصرنا هذا، فالحمد لله حمداً كثيراً على ما أنعم به علينا.
السابع من أسباب النجاة من الفتن: حفظ اللسان من الوقوع في فتن الشهوات وفتن الشبهات؛ فلا يكون داعيا لها؛ لا بلسانه ولا بقلمه، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إنها ستكون فتنة تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف” (أخرجه الإمام أحمد والترمذي).
قال الشيخ حمود التويجري -رحمه الله-: “هذا قد ظهر مصداقه في زماننا حين وجدت الإذاعات والصحف المنتشرة في جميع أرجاء الأرض“.
معاشر المسلمين: لا يستهينن أحد بأمر اللسان، فإنَّ شأنه عظيم وخطره جسيم، من أمسكه عن الشر سلم، ومن أطلقه في الخير غنم، رُفع به أقوام، وحُطَّ آخرون، ونجا به أقوام وهلك آخرون، فأمسكوا ألسنتكم إلا في الخير.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
منقول موقع ملتقى الخطباء
تعليقات
إرسال تعليق