ما هى التقوى- كن من المتقين


 فسّر السلف التقوى بأن حقيقتها أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقايةً بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، قال بعض السلف: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله؛ ترجو بذلك ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله؛ تخاف من عقاب الله.
فتعمل بطاعة الله على نور وبصيرة، ترجو بذلك فضله ورحمته وكرمه، وتترك معصية الله على بصيرة، تخاف من عقاب الله، فيحملك على فعل الأوامر طاعةُ الله ورسوله، وابتغاء مرضاته، ويحملك على ترك المعاصي خوفُ الله -جل وعلا-، وعلمك باطلاع الله عليك.
أيها المسلم: ولهذه التقوى فضائل عظيمة، فأعظمها أن التقوى وصية الله للخلائق أجمعين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]، فوصية الله للجميع تقواه -جل وعلا- في السر والعلن، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ)، فالكل تشمله هذه الوصية من الماضين والحاضرين أن يتقوا الله -جل وعلا-.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- أوصى أمته بتقوى الله، قال العرباض بن سارية -رضي الله عنه-: وعظنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها الدموع، قلنا: يا رسول الله: كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حبشيَّ، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ من بعدي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ! فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ".
وكان -صلى الله عليه وسلم- يوصي من طلب وصيةً بتقوى الله، سأله رجل: يا رسول الله: إني أريد أن توصيني، قال: "أوصيك بتقوى الله".
وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا أمّر أميرًا على سرية في الجيش أوصاه في نفسه، وبخاصته، وبمن معه، بتقوى الله.
وقد بيّن الله في كتابه وصية الأنبياء إلى أقوامهم بتقوى الله، قال -تعالى-: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء:105-106]، وقال عن هود -عليه السلام-: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء:123-124]، وقال: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء:141-142]، (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء: 160-161]، (كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) [الشعراء:176-177]، (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) [الصافات:123-124]، هكذا وصية الأنبياء لأقوامهم، أوصوهم بتقوى الله، فإن توحيد الله وعبادته هي قاعدة التقوى وأساسه.
أيها المسلم: وهذه التقوى لها فضائل عديدة، فمن فضائلها: أنها من أسباب دخول الجنة، قال الله -تعالى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133]، وسئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ فَقَالَ: "تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ"؛ فتقوى الله وحسن الخلق من أعظم أسباب دخول الجنة.
ومن فضائل التقوى: أنها تقي العبد عذاب الله يوم القيامة: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ) [الزمر:61]، ومنها أن التقوى خير لباس: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26]، ومنها أن التقوى خير زاد يتزود به العبد في حياته الدنيا، قال -تعالى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197]، ومنها أن التقوى علامة أولياء الله، وأهل طاعته، فهداية الله ليست بدعوة تُدَّعَى، "لَيْسَ الإِيمَان بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْب وَصَدَّقَهُ الْعَمَل".
فأولياء الله ليس لهم وصف خاص أو شعار خاص، وإنما تقوى الله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:62-64].
ومن فضائل التقوى أن المتقين أكرم الخلق عند الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات:13]، فأكرمنا عند الله، وأقربنا إلى الله، هم المتقون الذين اتقوا الله في سرهم وعلانيتهم.
هذه التقوى تثمر أمورًا عظيمة، فمن ثمراتها حصول المتقي على معية الله، قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل:128]، فهو مع أوليائه بنصرهم وتأييدهم وحفظهم وكفايتهم: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، وهذا من أعظم فضائل التقوى وثمراتها.
ومن ثمراتها: مغفرة الذنوب، والتوفيق لقول الحق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
ومن ثمرات التقوى أن الله يخلص المتقين من المضايق والشدائد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29]، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3].
ومن ثمرات التقوى حصول العلم النافع، قال الله –جل وعلا-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:282].
ومن ثمرات التقوى أن المتقي يقبل عمله بتوفيق الله لأنه اتقى الله في سره وعلانيته: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
ومن ثمرات التقوى: تيسير الأمور: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق:4].
ومن ثمرات التقوى: كفاية العبد وحفظه من مكايد الأعداء: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) [آل عمران:120].
ومن ثمرات التقوى: حصول البركة والخيرات والطمأنينة: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].
فلْنُلْزِمْ أنفسنا -عباد الله- بتقوى الله في قلوبنا، وألسنتنا، وجوارحنا، تقوى تصحبنا في كل شؤون حياتنا، وفي حركاتنا وسكناتنا؛ فالله مطلع علينا، عالم بسرنا ونجوانا، لا يخفى عليه شيء من أمرنا، وقد حذرنا من التناجي بالسوء: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنْ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) [المجادلة:8]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المجادلة:9].
فتناجي المؤمنين، ومؤتمرات المؤمنين، واجتماع المؤمنين، كله على الخير والهدى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء:114].
فالمسلم في خلواته، وفي علانيته، له تقوى تصحبه في كل ما يأتي ويذر، ولو حققها نال السعادة في الدنيا والآخرة، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على كل خير

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رؤيا ربيعة بن نصر ملك اليمن وتفسير شق وسطيح لها

تفسير رؤية الاسد والذئاب والذئيب الابيض والاسود فى المنام

اشراط الساعة الصغرى