كتاب الوجيز فى فقة السنة والكتاب العزيز ( المقدمة )



)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا

اما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم ان علم الفقة من افضل العلوم واشرفها ، إذ به تصح العبادة التى هى الغاية من خلق الخلق ، كما قال تعالى :
《 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. 》
واذا كان اصل النجاة لا يحصل للعبد الا بصحة التوحيد وسلامتة من شوائب الشرك فإن تمام النجاة لا يحصل إلا بصحة العبادة وسلامتها من شوائب البدعة ، ولقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم فقة العبد عنوان ارادة الله به الخير فقال صلى الله عليه وسلم : 《 من يرد الله به خيرا يفقة فى الدين 》
وعظمة هذا العلم وشرفه تجل عن الوصف والاحاطة ، ذلك انها احكام تساير المسلم وتلازمة فى عموم مسالك حياتة فيما بينه وبين ربه ، وفيما بينه وبين عباده فبها يشد حبل الاتصال بعبادة ربه فى علانيتة وسره ، من طهارة ، وصلاة ، وزكاة ، وصيام ، وحج ، ونسائك .
وبها ينشر راية الاسلام ويرفع منار القران ، وذلك فى فقة الجهاد والمغازى ، والسير " والامان والعهد ، ونحو ذلك .
وبها يتطلب الرزق المباح ، ويبتعد عن مواطن الاثم والجناح ، وذلك فى فقة المعاملات من بيع وشراء وخيار ، وربا ، وصرف ، وما جرى مجرى ذلك مما يرتبط بمعاملات الخلق المالية لبعضهم مع بعض ، وبها تجرى الاموال فى وظائفها الشرعية من وقف ووصية ونحوهما من أحكام التصرفات المالية .
وبها يقف على فقة الفرائض المحكمة ، فيسعد بنصف العلم ، وتستقر الاموال فى يد أربابها على اعدل قسمة ، واتم نظام وبفقهها ينعم بالحياة الزوجية الشرعية ، وما يلحق بها من الاحكام .
ويحيط بمدى محافظة الاسلام على ضروريات الحياة المشمولة باسم الجنايات ، والديات ، والحدود والتعزيزات ، فيعيش فى امن وامان ، وراحة بال واستقرار.
وهكذا فى احكام الاطعمة والنحائر ، والنذور ، والايمان ، وفى مباحث التقاضى وقواعدة وطرقة واحكامه : موكن تحقق العدالة وفصل الخصام ، فتقر الحقوق فى انصبائها ، وتعاد الظلامات الى اهلها .
لهذا كله وغيره قال القائل :
إذا ما اعتز ذو علم بعلم
فاهل الفقة أولى باعتزاز
فكم طيب يفوح ولا كمسك
وكم طير يطير ولا كبار
ولما كانت الشريعة كلها ترجع الى قول واحد فى فروعها وان اكثر الخلاف ، كما انها فى اصولها كذلك ، ولا يصلح فيها غير ذلك والدليل عليه امور :
احدها : أدلة القران .
من ذلك قوله تعالى :
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾.
فنفى ان يقع فيه الاختلاف البته ، ولو كان فيه مايقتضى قولين مختلفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال .
وفى القران :
《 فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول"》
وهذه الايه صريحة فى رفعالتنازع والاختلاف ، فانه رد المتنازعين الى الشريعة وليس ذلك الا ليرتفع الاختلاف ولا يرتفع الاختلاف الا بالرجوع الى شئ واحد ، إذ لو كان فيه ما يقتضى الاختلاف لم يكن فى الرجوع إليه رفع تنازع وهذا باطل .
وقال تعالى :
(ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم)
والبينات هى الشريعة فلولا أنها لا تقتضى الاختلاف ولا تقبلة البتة لما قيل لهم : من بعد كذا ولكان لهم فيها ابلغ 
العذر ، وهذا غير صحيح ، فالشريعة لا اختلاف فيها



والايات فى ذم الاختلاف ، والامر بالرجوع الى الشريعة كثيرة ، كلها قاطعة فى انها لا اختلاف فيها ، وانما هى على ماخذ واحد وقول واحد .
قال المزنى صاحب الشافعى : ذم الاختلاف وامر عنده بالرجوع الى الكتاب والسنة .
والثانى : أن عامة اهل الشريعة أثبتوا فى القران والسنة الناسخ والمنسوخ على الجملة ، وحذروا من الجهل به والخطأ فيه ، ومعلوم ان الناسخ والمنسوخ انما هو فيما بين دليلين يتعارضان بحيث لا يصح اجتماعهما بحال ، والا لما كان أحدهما ناسخا والاخر منسوخا ، والفرض خلافه فلو كان الاختلاف من الدين لما كان لاثبات الناسخ والمنسوخ -من غير نص قاطع فيه -فائدة ، ولكان الكلام فى ذلك كلاما فيما لا يجنى ثمرة ، إذ كان يصح العمل بكل واحد منهما ابتداء ودوما ، استنادا الى ان الاختلاف اصل من اصول الدين ، لكن هذا كله باطل باجماع ، فدل على ان الاختلاف لا اصل له فى الشريعة ، وهكذا القول  فى  كل دليل مع معارضة ، كالعموم والخصوص ، والاطلاق والتقييد ، وما اشبة ذلك ، فكانت تنخرم هذه الاصول كلها ، وذلك فاسد فما أدى إليه مثله .

والثالث : انه لو كان فى الشريعة مساغ للخلاف لادى الى تكليف ما لا يطاق ، لان الدليلين إذا فرضنا تعارضهما ، وفرضناهما مقصودين معا للشارع فاما أن يقال : إن المكلف مطلوب بمقتضادهما ، اولا او مطلوب من بأحدهما دون الاخر والجميع غير صحيح 
فالول يقتضى افعل ، لا تفعل لمكلف واحد من وجه واحد وهو عين التكليف بما لا يطاق 
والثانى : باطل ، لانه خلاف الفرض ، وكذلك الثالث إذ كان الفرض توجه الطلب بهما ، فلم يبق الا الاول فيلزم منه ما تقدم .
والرابع : أن الاصوليين اتفقوا على اثبات الترجيح بين الادله المتعارضة إذا لم يمكن الجمع ،  وانه لا يصح إعمال أحد الدليلين جزافا من غير نظر فى ترجيحة على الاخر ، والقول بثبوت الخلاف فى الشريعة يرفع باب الترجيح جملة ، إذ لا فائدة فية ولا حاجة اليه على فرض ثبوت الخلاف أصلا شرعيا لصحة وقوع التعارض فى الشريعة ، لكن ذلك فاسد ، فما أدى اليه مثله .
أقول : لما كانت الشريعة كلها ترجع الى قول واحد فى فروعها وان كثر الخلاف ، كما انها فى اصولها كذلك ، أحببت ان اكتب كتابا فى الفقة ، مقتصرا فيه على القول الواحد الراجح بما رجحة الدليل الصحيح الثابت ، سالكا فى ذلك سبيل اهل الاجتهاد والتحقيق ، والنظر العميق ، الذين حرورا الوقائع ، وبينوا النوازل ، وساقوا لها صنوف الادله من مشكاة النبوة ، سائرين مع السنن حيث سارت ركائبها ، متجهين معها حيث كانت مضاربها ، فاخرجوا بذلك للناس علما جما وفكرا خصبا جاريا على اسعد القواعد وارشدها .
وهذا النوع من الفقة - هو اصلا - حظ اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ألقوة الى التابعين لهم باحسان ، وهكذا تلقفة من تبعهم بالحسنى ، فدونوة على هذا النمط الكريم ، والمنهج السليم .
وقد سميت كتابى هذا : 
       الوجيز فى فقة السنة والكتاب العزيز 
وقد رتبتة على هذا النحو : 
كتاب الطهارة .كتاب الصلاة . كتاب الصيام . كتاب الزكاة .كتاب الحج .كتاب النكاح . كتاب البيوع . كتاب الايمان . كتاب الوصايا .كتاب الجهاد .كتاب العتق .
وسر هذا الترتيب : ان الله خلق الخلق ليعبدوه ، وبالالهية يفردوه ، ولما كانت الصلاة اصل العبادات وعمود الدين فقد بدات بها ، وانما قدمت عليها كتاب الطهارة لان الطهارة شرط من شروط صحتها ، والشرط مقدم على المشروط .
ولما كان الصيام لله تعالى وهو يجزى به كما فى الحديث - فقد الحقتة بالصلاة ، وقدمته على الزكاة تقديما للعبادات البدنية على العبادات المالية فقط وهى الزكاة ، والبدنية المالية وهى الحج . 
ولما كان النكاح سبب وجود العابدين فقد جعلته اول كتاب بعد كتب العبادات ، ثم اتبعة بالبيوع ، لان الناس الموجودين من النكاح لا يزالون يبيعون ويشترون ، وقد جرت العادة بكثرة الايمان فى البيوع ، ولذلك الحقت كتاب البيوع بكتاب الايمان لبيان ما يصح منها وما لا يصح ، ثم اتبعت ذلك بكتاب الاطعمة والوصايا والفرائض ، ثم الحدود والجنايات - دائما - فى الحدود والجنايات ، ولما كان القضاء - غالبا - هو الذى يفصل فى الفرائض و - دائما - فى الحدود والجنايات ، إذ لا يوذن فى إقامة الحدود لاحد الا للحاكم او نائبة ، فقد اتبعت ذلك بكتاب القضاء .
ولما كان المسلمون مكلفين بعد اقامة دين الله فى انفسهم بالسعى لاقامة دين الله فى ارض الله ، ودعوة الناس الى عبادة الله ، وجرت العادة فى كل زمان ومكان بوجود من يصد عن سبيل الله ، ويمنع الدعاة من تبليغ دين الله ، فقظ تكلمت عن الجهاد واحكامة ، ولما كان من نتائج الجهاد وجود الرقيق - احيانا - وهم اسرى الحرب من الكفار والمشركين ، فقد جعلت كتاب العتق بعد الجهاد لبيان ترغيب الاسلام فى العتق ، والانعام على اسرى الحرب بالحرية .
والحكمة فى جعل كتاب العتق آخر كتاب فى كتاب الوجيز هى الطمع فى ان يجعل الله هذا العمل سبب عتقى من النار ، انه سبحانة هو العزيز الغفار .
والله العظيم اسال ان اكون وفقت فيه للصواب ، وان يثيبنى عليه ، وان يغفر لى ما كان فيه من خطا .
وان ينفع به المسلمين .والحمد لله رب العالمين .


كتبه 
عبدالعظيم بن بدوى الخلفى ( لقبا ) 
بمنزلى الكائن فى قريتى الشين / مركز قطور / غربية 
ساعة اذان الظهر يوم الخميس 21/7/1414  هجريا 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رؤيا ربيعة بن نصر ملك اليمن وتفسير شق وسطيح لها

تفسير رؤية الاسد والذئاب والذئيب الابيض والاسود فى المنام

اشراط الساعة الصغرى